فصل: الفصل السادس‏:‏ مناظرة المؤلف لأحد كبار اليهود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى **


*1* الفصل السادس‏:‏ مناظرة المؤلف لأحد كبار اليهود

وقد جرت لي‏(‏‏(‏مناظرة‏)‏‏)‏ بمصر مع أكبر من يشير إليه اليهود بالعلم والرياسة، فقلت له في أثناء الكلام‏:‏ أنتم بتكذيبكم محمدا صلى الله عليه وسلم قد شتمتم الله أعظم شتيمة‏.‏

فعجب من ذلك، وقال‏:‏مثلك يقول هذا الكلام‏!‏ فقلت له‏:‏اسمع الآن تقريره، إذا قلتم‏:‏ إن محمدا ملك ظالم قهر الناس بسيفه وليس برسول من عند الله، وقد أقام ثلاثا وعشرين سنة يدعي أنه رسول الله أرسله إلى الخلق كافة، ويقول‏:‏أمرني الله بكذا، ونهاني عن كذا، وأوحى إلى كذا؛ ولم يكن من ذلك شيء،

ويقول‏:‏أنه أباح لي سبي ذراري من كذبني وخالفني ونساءهم، وغنيمة أموالهم، وقتل رجالهم؛ ولم يكن من ذلك شيء، وهو يدأب في تغيير دين الأنبياء، ومعاداة أممهم، ونسخ شرائعهم، فلا يخلو إما أن تقولوا أن الله سبحانه كان يطلع على ذلك ويشاهده ويعلمه، أو تقولوا أنه خفي عنه ولم يعلم به، فإن قلتم لم يعلم به نسبتموه إلى أقبح الجهل، وكان من علم ذلك أعلم منه‏.‏

وإن قلتم بل كان ذلك كله بعلمه ومشاهدته واطلاعه عليه، فلا يخلو إما أن يكون قادرا على تغييره، والأخذ على يديه ومنعه من ذلك، أولا، فإن لم يكن قادرا فقد نسبتموه إلى ‏(‏ص 88‏)‏

أقبح العجز المنافي للربوبية، وإن كان قادرا، وهو مع ذلك يعزه وينصره ويؤيده ويعليه ويعلى كلمته، ويجيب دعاءه، ويمكنه من أعدائه، ويظهر على يديه من أنواع المعجزات والكرامات ما يزيد على الألف، ولا يقصده أحد بسوء إلا أظفره به، ولا يدعوه بدعوة إلا استجابها له‏.‏

فهذا من أعظم الظلم والسفه الذي لا يليق نسبته إلى آحاد العقلاء فضلا عن رب الأرض والسماء؛ فكيف وهو يشهد له بإقراره على دعوته وبتأييده وبكلامه، وهذه عندكم شهادة زور وكذب، فلما سمع ذلك‏.‏ قال‏:‏

معاذ الله أن يفعل الله هذا بكاذب مفتر بل هو نبي صادق من اتبعه أفلح وسعد، قلت‏:‏ فما لك لا تدخل في دينه‏؟‏ قال‏:‏ إنما بعث إلى الأميين الذي لا كتاب لهم، وأما نحن فعندنا كتاب نتبعه‏.‏

قلت له‏:‏غلبت كل الغلب، فإنه قد علم الخاص والعام أنه أخبر أنه رسول الله إلى جميع الخلق، وأن من لم يتبعه فهو كافر من أهل الجحيم، وقاتل اليهود والنصارى وهم أهل كتاب، وإذا صحت رسالته وجب تصديقه في كل ما أخبر به؛فأمسك ولم يحر جوابا‏.‏

وقريب من هذه المناظرة ما جرى لبعض علماء المسلمين مع بعض اليهود ببلاد المغرب قال له المسلم‏:‏ في التوراة التي بأيديكم إلى اليوم أن الله قال لموسى‏:‏ ‏(‏‏(‏إني أقيم لبني إسرائيل من إخوتهم نبيا مثلك، أجعل كلامي على فِيه، فمن عصاه انتقمت منه‏)‏‏)‏ قال له اليهودي‏:‏ ذلك يوشع بن نون، فقال المسلم‏:‏ هذا محال من وجوه‏:‏

‏(‏أحدها‏)‏‏:‏ أنه قال عندك في آخر التوراة‏:‏‏(‏‏(‏أنه لا يقوم في بني إسرائيل نبي مثل موسى‏)‏‏)‏‏.‏

‏(‏الثاني‏)‏‏:‏ أنه قال‏:‏‏(‏‏(‏من إخوتهم‏)‏‏)‏ وأخوة بني إسرائيل، إما العرب و إما الروم، فإن العرب بنو إسماعيل والروم بنو العيص وهؤلاء أخوة بني إسرائيل، فأما الروم فلم يقم منهم نبي سوى أيوب، وكان قبل موسى فلا يجوز أن يكون هو الذي بشرت به التوراة، فلم يبق إلا العرب وهم بنو إسماعيل وهم أخوة بني إسرائيل‏.‏

وقد قال الله في التوراة حين ذكر إسماعيل جد العرب ‏(‏‏(‏أنه يضع فسطاطه في وسط بلاد أخوته‏)‏‏)‏ وهم بنو إسرائيل، وهذه بشارة بنبوة ابنه محمد الذي نضب فسطاطه وملك أمته في وسط بلاد بني إسرائيل، وهي الشام التي هي مظهر ملكه كما تقدم من قوله‏:‏ ‏(‏‏(‏وملكه بالشام‏)‏‏)‏ فقال له اليهودي‏:‏ فعندكم في القرآن ‏(‏وإلى مدين أخاهم شعيبا‏)‏ ‏(‏وإلى عاد أخاهم هودا‏)‏ ‏(‏وإلى ثمود أخاهم صالحا‏)‏ والعرب تقول‏:‏ يا أخا بني تميم للواحد منهم، فهكذا قوله‏:‏ ‏(‏‏(‏أقيم لبني إسرائيل من إخوتهم‏)‏‏)‏‏.‏

قال المسلم‏:‏ الفرق بين الموضعين ظاهر؛فإنه من المحال أن يقال‏:‏ إن بني إسرائيل إخوة بني إسرائيل، وبني تميم إخوة بني تميم، وبني هاشم إخوة بني هاشم، هذا ما لا يعقل في لغة أمة من الأمم، بخلاف قولك‏:‏ زيد أخو بني تميم، وهو عاد، وصالح أخو ثمود، أي واحد منهم، فهو أخوهم في النسب‏.‏

ولو قيل عاد أخو عاد وثمود أخو‏(‏ص 89‏)‏ ثمود، ومدين أخو مدين لكان نقصا، وكان نظير قولك‏:‏ بنو إسرائيل إخوة بني إسرائيل، فاعتبار أحد الموضعين بالآخر خطأ صريح، قال اليهودي‏:‏ فقد أخبر أنه سيقيم هذا النبي لبني إسرائيل، ومحمد إنما أقيم للعرب، ولم يقم لبني إسرائيل فهذا الاختصاص يشعر بأنه مبعوث إليهم لا إلى غيرهم‏.‏

قال المسلم‏:‏ هذا من دلائل صدقه، فإنه ادعى أنه رسول الله إلى أهل الأرض كتابيهم وأميهم، ونص الله في التوراة على أنه يقيمه لهم، لئلا يظنوا أنه مرسل إلى العرب والأميين خاصة، والشيء يخص بالذكر لحاجة المخاطب إلى ذكره، لئلا يتوهم السامع أنه غير مراد باللفظ العام، ولا داخل فيه، وللتنبيه على أن ما عداه أولى بحكمه ولغير ذلك من المقاصد، فكان في تعيين بني إسرائيل بالذكر إزالة لوهم من توهم أنه مبعوث إلى العرب خاصة، وقد قال تعالى‏:‏

‏(‏لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك‏)‏ وهؤلاء قومه ولم ينف ذلك أن يكون نذيرا لغيرهم، فلو أمكنك أن تذكر عنه أنه ادعى أنه رسول إلى العرب خاصة، لكان ذلك حجة، فأما وقد نطق كتابه وعرف الخاص والعام بأنه ادعى أنه مرسل إلى بني إسرائيل وغيرهم فلا حجة لك‏.‏

قال اليهودي‏:‏إن أسلافنا من اليهود كلهم على أنه ادعى ذلك، ولكن العيسوية منا تزعم أنه نبي العرب خاصة، ولسنا نقول بقولهم، ثم التفت إلى يهودي معه، فقال‏:‏ نحن قد جرى شأننا على اليهودية، وتالله ما أدري كيف التخلص من هذا العربي؛إلا أنه أقل ما يجب علينا أن نأخذ به أنفسنا النهي عن ذكره بسوء‏.‏